أبحث عنك وأنت في نفسي...

كان يوما عرفت فيه المعنى الحقيقي للحزن، في هذا اليوم فقط علمت أن للحزن وجها آخر، وجها قبيحا، يومها فقط علمت أن للحزن أنيابا وأذرعَ تبطش بكل قوة إذا ما أرادت، قد تكتفي بتغوير الجروح في نفسك، أو ربما تستزيد بهدم حياتك، أو حتى قد تجعلك طوعا تنسحب من حياتك وبكامل إرادتك.

كنت قد بنيت كل أحلامي بعد التخرج في انتظار من كنت أعتقدها نصفي الثاني ولكن في لحظة من لحظات السعادة وصفاء النفس، عندما كانت الابتسامة ضيفا دائما على شفاهي وعندما كان فكي يستغيث مني ألما فكنت أرفض أن أريحه ولو دقيقة من الابتسامات والضحكات... في لحظة لم أتوقع فيها غدر الحزن وبشاعة الصدمة عرفت أنها لن تأتي، لن يكون لها في الواقع مكان وستدخل بعلمي محضَ النسيان، وستتحول إلى ذكرى جميلة تتلاشى مع الأيام.
لم تتعود مشاعري يوما على الغدر، لم يتقبل قلبي يوما إحساسا بالقهر، لم تستسِغ عيني يوما نظرات فراق، لم يعرف لساني يوما كلمة وداع، أحسست بالضياع، انتاب رأسي الصداع، أحسست بشيء داخل صدري كاد يمزقني، إنه صراع... نعم صراع بين ألم شرس من صدمة الخداع وبين رغبة في الانصياع ... ربما لمعايير العقل بالانسحاب فورا دون مزيد من الألم والحزن بدون داع.

كانت لحظات اختلط فيه الواقع بالتوهان، الخطأ بالصواب والإدراك بالهزيان، دعوت الله أن يعين قدميّ على أن تحملاني حتى البيت أو أي مكان فأختلِي بنفسي أو ربما بالأحزان؛ فتقتلني أو أقتلها لا فرق بين كليهما لأنهما سيان، فعيشة بأطلال ذكريات قاتلة لا تختلف كثيرا عن الموت؛ لأن الحياة التي أعرفها وقتها سوف تدخل ضمن بند ما كان واقعا وأصبح "نسيان".

استجاب الله لدعائي ونجحت في الوصول للمنزل، أطحت بيديّ باب الغرفة، ارتميت بجسدي على سريري، تزاحمت المشاعر في صدري كحيوانات ضالة تغتال بعضها بعضا، ظننت أنني لن أخرج من غرفتي مرة أخرى إلا على مكان واحد نعرفه جميعا.........
وفي لحظة لم أكد أرى فيها قدميّ بعدما احتمت عيناي خلف ستارة من الدموع، أحسست بيد وهمية تكفكف دموعي وتمسح حزني ومرَّرَتْ لمسة حانية على قلبي فزرعتْ فيه الاطمئنان ومرت سريعا فوق رأسي فتلاشى الصداع.
في هذه اللحظة كنت أنظر إلى أعلى ...للسماء التي أطلّت برأسها من خلف الشباك(الموارب) بحثت فيها عن الله كي أشكره، كي أبكي له، كي أعتذر منه، بحثت عنه ولم أجده في السماء ووجدته في داخل نفسي، ما أغباني أبحث عن ربي بعيدا وهو في نفسي، شعرته يحدثني، شعرته يعاتبني، شعرته وكأنه يقولي لي: كيف تذهب بعيدا وأنا قريب؟ كيف تبكي لغيري وأنا من أعطيتك الدموع رحمة لك؟ كيف تعذب جسدك وأنا وهبته لك؟ وأنا الذي أطببه عندما يصيبه أذى؟.
فقلت في نفسي سامحني يا سيدي ومولاي... ألهاني كَربي فأنساني ربي.. قلبي ينبض بتسبيحك بينما عقلي في غيرك، أستحق عذابك وأقبله بنفس راضية، شعرته نظر لي نظرة الخالق الذي يحنو على مخلوقه، شعرته ينظر إليّ نظرة رحمة، نظرة حكمة؛ فانتفضت من سريري ولم أعرف طريقا غير صنبور المياه الذي أهداني مياهه الطاهرة التي أعدّتني للوقوف خلف خالقها وخالقي شكرا واحتراما.

كيف لم أفكر فيك من البداية؟ كيف لم ألجأ لك وأنت أقرب مني لنفسي؟ كيف تتذكرني ولم أتذكرك؟هذا فقط سبب كافٍ لكل ما عانيته....... أعدك وعدا لا فكاك منه ألاّ ألجأ في كربي لسواك وألاّ أذرف دمعي أمام غيرك، سامحني يا سيدي، سامحني، لم أعرف قدرك منذ مولدي، سامحني يا مؤنس وحدتي.

شكراااااااسمر

تسلم ايدك

» كيف أحزن وأنت ربي
» لو كنت انا وأنت رابعهم كيف سنخرج؟
» سألت نفسي