هدايا الرجال للنساء .. عادات لم تهدمها عوامل الزمن الدهر
ماذا تهدي لحبيبتك أو زوجتك لكي تعبر عن عشقك لها؟ ورود؟ جواهر؟ زجاجات عطر؟ فساتين؟ قصائد شعر؟ مهما بذلت، فسوف تبقى بعيدا عن أسلافك من كبار العشاق عبر التاريخ..
وعند العرب والعجم.. كبار العشاق هؤلاء، ابتدعوا بما امتلكوا من سطوة ونفوذ وثروة، هدايا لا تحلم بها إلا المعشوقات الاستثنائيات .. هدايا خالدة، لم تهدمها عاديات الدهر، ولم تهملها تبدلات الأحوال، واحتدام العواطف أو خمودها .. ولم يلغ وجودها مصارع العشاق أنفسهم.
هؤلاء العشاق، من قادة وأباطرة وحكام، بعضهم ساطوا شعوبهم بالتعذيب والتعنيف، وقابلوا أعداءهم بالحديد والنار..
كانوا يشتعلون حباً وولهاً عند نسائهم، فخلدوا اسماءهم واسماء نسائهم بمدن زاهرة، ومعالم وارفة، وتحف معمارية متألقة.. ما زالت تدل العشاق حتى اليوم، على الفارق الكبير بين هدية وأخرى.. لكنها تشير، بكل تأكيد إلى منبع واحد ومصب واحد لنهر الحب، مهما تبدلت الوجوه والأفئدة.
ويحفل التاريخ بقصص العشق في حياة الملوك والقادة، قصص تنسينا قسوتهم على المحكومين وحروبهم مع الجيران وصراعاتهم مع المعارضين، فبعضهم بنى مدينة تكريماً لزوجته وتخليداً لذكرى لقائهما الأول، وآخر شيد القصور والمعابد من أجلها.
ولا يتذكر زائر هذه التحف المعمارية قسوة الحاكم أو إنجازاته بقدر ما يتذكر صورة الحاكم العاشق الذي دفعه عشقه الى التواضع والتعبير عن شعوره والاعلان عن حبه للملأ.
يوسف وزينب
في المغرب تشتهر مدينة مراكش (وسط البلاد) بكونها إحدى أجمل المدن السياحية تستقبل سنويا أكثر من ثلاثة ملايين سائح، حتى أن عدد سياحها يفوق سكان المدينة الأصليين في ذروة الموسم السياحي، يأتون اليها للاستمتاع بمناخها الصحراوي الجاف والتمتع بمآثر دولة المرابطين التي بنت وعمرت وتركت الأسوار والمساجد والقصور.
ولا يخفى على السائح خصوصية مراكش حيث يكتشف بعد جولته الأولى ان هناك سرا وراء بناء هذه المدينة الساحرة، وما يلبث احساسه ان يتحول الى يقين حين يسأل سكانها المعجبين بشجاعة هذا القائد في المعارك وفي طريقة الاعلان عن حبه.
فمراكش ما هي الا عربون محبة قام بتشييدها القائد الكبير يوسف بن تاشفين عام 454 هجرية الموافق 1064 ميلادية تعبيرا عن حبه لزوجته زينب بنت اسحاق النفزاوية التي شغفته حبا فتزوجها وبنى من أجلها مدينة من أعرق وأجمل حواضر المغرب وثالث أكبر مدنه حالياً.
ورغم أنه عاش متصوفاً زاهداً فان يوسف بن تاشفين لم يتوان عن اكرام حبيبته التي توصف بأنها كانت ذات حسن وجمال وعقل وتدبير، قال عنها ابن خلدون ’’كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة’’، وقال عنها ابن الأثير في الكامل ’’كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها بن تاشفين’’.
وتنتمي زينب لقبيلة نفزة من بربر أمازيغ المغرب تزوجها أمير المرابطين أبو بكر بن عمر اللمتوني في إحدى سفراته إلى شمال دولته، ولما عزم على خوض حرب في أفريقيا جنوب الصحراء لم يشأ أن يتركها معلقة أو أن يأخذها معه إلى الصحراء لعدم استطاعتها العيش هناك، فطلقها وتزوجها ابن عمه يوسف بن تاشفين.
ووصف أحمد بن خالد الناصري في كتابه ’’الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى’’، ارتباط يوسف بزينب بقوله ’’كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب’’.
شاه جيهان وممتاز
يروي ضريح ’’تاج محل’’ أروع قصص الحب والوفاء والغفران ويحمل سيرة امرأة ضربت أروع الأمثلة على الوفاء والإخلاص.. انها أرجونمد بانو باكام الملقبة بممتاز محل، زوجة الإمبراطور المغولي الخامس التي كانت ترافقه في كل رحلاته وسفرياته ومهماته العسكرية وتدفعه للقيام بالكثير من أعمال الخير والبر.
وحين توفيت هذه الأميرة أصر زوجها شاه جيهان على تكريم ذكراها فشيد لها ضريحاً على هذا الصرح الفريد الذي فتح لها أبواب التاريخ الواسعة وترك سيرتها تتردد على الألسنة، وصار ضريحها إحدى عجائب الدنيا السبع.
ورغم مرور أكثر من 350 عاماً على بناء هذا الضريح لايزال اشعاع تاج محل متوهجا يحكي قصة حب حقيقية وتجربة عاطفية سامية، ومن روعة وتفرد هذا المكان أنه أجمل صرح بناه المغول خلال فترة حكمهم للهند.
ويزور الضريح حاليا ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص سنوياً، فتاج محل يعتبر من أهم عجائب الدنيا السبع، يصفه الباحثون بأنه تحفة معمارية فريدة لا مثيل لها.
رمسيس ونفرتاري
بنى فرعون مصر رمسيس الثاني معبد أبو سمبل الصغير عام 1250 قبل الميلاد، تكريما لزوجته الملكة نفرتاري، واختار رمسيس موقع المعبد ليكون قريبا من معبد أبو سمبل الكبير الذي بناه لنفسه حيث إن المسافة بين المعبدين لا تتعدى بضعة أمتار.
ويبدو أن مكانة الملكة الشهيرة نفرتاري عند رمسيس الثاني وتعلقه الشديد بها هو الدافع الأساسي وراء بناء هذا المعبد ليكون معبدا خاصا بها بني على شرفها لتعبد فيه مع آلهة أخرى هي ’’حتحور’’ آلهة الحب والجمال عند الفراعنة.
ويعتبر هذا المعبد الذي يقع على بعد 280 كلم جنوب أسوان من أهم معابد النوبة ومن أروع الآثار في العالم. ويتكون معبد نفرتاري من أربعة تماثيل لرمسيس الثاني وتمثالين لزوجته الملكة نفرتاري، يصل ارتفاعها إلى حوالي عشرة أمتار، ويحيط بتماثيل الفرعون وزوجته أشكال أصغر لتماثيل أمراء وأميرات، ويتميز المعبد بالنقوش التي تصور الملك رمسيس وهو منتصر، والملكة نفرتاري وهي واقفة، اضافة الى حجرات ودهاليز كثيرة.
وحين غمرت مياه بحيرة السد العالي المعبد الذي نحت في سفح صخري جبلي قرب نهر النيل في جنوبي مصر، سارعت عدة دول ومنظمات عالمية لمساعدة مصر على نقل المعبد من موقعه الأصلي حيث تم تقطيعه إلى أجزاء في منتصف الستينيات من القرن العشرين وتمت إعادة بناءه من جديد.
نبوخذ نصر وحبيبته
حين بنى الملك نبوخذ نصر الحدائق المعلقة ببابل لم يكن يتصور أنها ستصبح إحدى عجائب الدنيا السبع، فكل ما فكر به هذا الملك العظيم هو مساعدة حبيبته على التأقلم مع موطنها الجديد بعد أن ارتبط بها وانتقلت معه من جبال ميديا الخضراء الى أرض بابل المنبسطة وسط طبيعة صحراوية قاسية.
وحين أحس الملك الكريم بان زوجته اشتاقت لرؤية الجبال والخضرة والطبيعة الساحرة التي كانت تحيط بها حيث كانت تعيش في المناطق الجبلية، فكر في بناء حديقة كبيرة زرعت فيها جميع أنواع الأشجار والخضروات والفواكه والزهور صيفية وشتوية لتظل الحدائق مثمرة طول العام.
ووزعت فيها التماثيل بأحجامها المختلفة، وكانت الحدائق تسقى من مياه خندق مائي محيط بها بواسطة نظام ميكانيكي معقد مما أثار اعجاب واستغراب المؤرخين وتساءلوا عن قدرة البابليين على رفع المياه الى هذا المستوى.
ولبناء الحدائق شيد نبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلادي ببابل (العراق الحالي)، قصراً كبيراً وزرع على سطحه كمية كبيرة من النباتات والأزهار ذات الألوان الجذابة بحيث غطى شكل القصر وكأنه جبل مزروع بالنباتات والأزهار، وجعل للقصر ثماني بوابات كان أفخمها بوابة عشتار.
وقد نجح الملك نبوخذ نصّر في ادخال السرور الى قلب زوجته وخلق واحة نباتية جميلة وسط قساوة الصحراء، وتمثل الحدائق المعلقة علامة احترام وعربون محبة من ملك اجتهد في تصميم جبال من الحدائق لإسعاد زوجته والتخفيف من شوقها لبلادها.
ورغم أن علماء الآثار لم يجدوا أي أثر لبرج من هذا النوع بسبب عوامل التعرية والتخريب التي تعاقبت على المنطقة منذ سقوط مملكة بابل إلا أن الرحالة الاغريقيون تناقلوا هذه الأسطورة وبقيت في الذاكرة قرونا من الزمن لتبرهن على أن حب الملوك عظيم وعشقهم عميق رغم قساوة الحكم والمعارك.