<H2>في أوقات الأزمات تعود المرأة إلى اللون الأسود إنها ليلة تسيدت فيها الأمطار والبرد القارس بنفس القدر الذي تسيد فيه اللون الأسود، وكأن السماء والنجوم اتفقوا معا على أن تكون ليلة داكنة لا يكسر ظلمتها سوى بريق الألماس، لكنها أيضا ليلة يمكن أن نقرأ منها الكثير عن مدى علاقة الموضة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكل حقبة.
الليلة كانت توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية «البافتا»، وهي المناسبة التي تعتبر النسخة البريطانية لجوائز الأوسكار، وتم فيها تسجيل ابتعاد معظم النجمات، وعلى خلاف السنوات الماضية، عن الألوان الفاتحة والهادئة مثل البيج والوردي والسماوي والذهبي والفضي وما شابهها، وتفضيلهن اللون الأسود عليها، في فساتين أعادت للأذهان صور نجمات هوليوود في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، باستثناء قلة لم يطاوعهن قلبهن على تطليق الألوان الصارخة أو الفاتحة بالمرة، ونذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر شارون ستون. فقد اختارت فستانا أحمر متوهجا من ديور.
ولا أحد يعرف ما إذا كان شبه الإجماع هذا، يعكس نفسية النجمات ورغبتهن في العودة إلى موضة كلاسيكية مضمونة، خاصة أن أحوال الطقس لا تسمح بالمغامرات، أم أنه نوع من الرثاء على الأوضاع الاقتصادية الحالية، وما يجري في العالم من أحداث مأساوية.
لكن سواء كان هذا أو ذاك، فإن الإشارة واضحة، وهي أن العودة إلى الأسود أمر لا يمكن إلا أن نحتفل به ونهلل له، لا سيما أنه يترافق مع عودة المقاسات الطبيعية إلى الواجهة.
ولمعرفة السبب، ما علينا إلا النظر إلى هذه الصور لنعرف مدى جماليات الأسود وكيف يضفي على أية واحدة منا الأناقة والجاذبية.
والمقصود هنا أنه، إلى جانب تسيد الأسود، تضمنت المناسبة احتفالا مبطنا بالمقاييس العادية لجسم المرأة.
فالنجمات النحيلات، إلى حد الأنوركسيا، اللواتي تصدرن صفحات المجلات والصحف، من مثيلات كيرا نايتلي وليندسي لوهان وغيرهما، غبن عن هذه المناسبة، باستثناء النجمة الصاعدة إيما واتسون، وإن كان يشفع لها انها لا تزال صغيرة، أي في طور النمو الجسدي، كما لا تزال تتلمس طريقها في عالم الأناقة.
فقد اختارت فستانا كلاسيكيا، أكبر من عمرها، بتوقيع المصممة أليس تامبرلي، تزينه تطريزات عند الصدر، فيما تألقت المغنية كايلي مينوغ في فستان بكشاكش ومرصع بالأحجار من دار «شانيل»، وكايت وينسليت في فستان أيضا بالأسود، مفصل على الجسم من مجموعة «زاك بوسن»، يظهر كل تضاريسه.
والحق يقال إنه فستان بتصميم أنيق ورائع، والمشكلة ليست فيه، بقدر ما هي في كايت وينسليت التي، أدمنت منذ سنوات هذه التصميمات، التي تريد من ورائها إظهار رشاقتها الأنثوية، الأمر الذي أسقطها في مطب التكرار، وأصابنا بالملل.
لكن مع ذلك، لا يسعنا إلا أن نحييها على شجاعتها، فهي من النجمات القليلات اللاتي لم يسقطن ضحية إدمان النحافة الزائدة، وعندما أنقصت وزنها منذ سنوات لم تتمادى وتنجرف وراء الهوس، الذي اجتاح عالم الموضة وهوليوود بكل ما هو أنوركسي.
والأجمل أنه عوض القيام بأي محاولات لإخفاء جسدها في ملابس واسعة، كانت من الأوائل اللاتي فعلن العكس، مرة في زي من هيرفيه ليجير، ومرة في بالمان، وأخرى في فستان لنارسيسو رودريغيز وأخيرا في هذا الفستان من زاك بوسن.
الإسبانية بينلوبي كروز، ارتأت أن تقتبس مظهر الراحلة أودري هيبورن، واختارت هي الأخرى فستانا أسود بتصميم ضيق من عز الدين علايا، أكدت فيه أنها معافاة، من الناحية الجسدية، لكن يمكن القول إن تسريحتها التي رفعت فيها شعرها إلى الوراء على شكل شينيون وغرتها كانت صارمة بعض الشيء، على الرغم من أنها أضفت عليها مظهرا عصريا.
أنجلينا جولي لعبت على الحبلين، فقد اختارت فستانا أسود من مجموعة جيورجيو أرماني «بريفيه»، وهي مجموعته الخاصة بالهوت كوتير بتفاصيل باللون الأصفر وحذاء من كريستيان لوبوتان، وكأنها بذلك أرادت أن تكسر حدة الأسود، خاصة أنها كانت مقلة في استعمال المجوهرات، التي اقتصرت على أقراط أذن ناعمة جدا.
ومما لا شك فيه أنها كانت في أجمل حالاتها، بعد أن اختفت عظامها الناتئة، التي كانت تكاد تنفر من أكتافها، فضلا عن عروقها التي كانت تبدو نافرة بشكل غير جذاب.
في المقابل بدت نضرة وأكثر أنوثة بعد أن اكتسبت بعض الوزن. وعلى نفس النغمة، ظهرت الممثلة البريطانية، جيما ارترتون، بطلة فيلم «جيمس بوند» بفستان من ديور بياقة عالية وأكمام طويلة مع كشاكش خفيفة جدا في الجوانب.
وربما تكون من القليلات اللاتي تحصن من البرد القارس نوعا ما بهذا الفستان المحتشم، كما كانت تبدو مزهوة بمقاسها الممتلئ مقارنة بما تعودت عليه أعيننا في السنوات السابقة.
وعلى ما يبدو، فإن اكتساب المرأة بعض الكيلوغرامات الزائدة، مثل العودة إلى اللون الأسود، ما هو إلا انعكاس للأوضاع الحالية، التي يمر بها العالم بانتكاسة مالية انعكست على حياة الناس وأثرت على وتيرتها.
وحسب قول سيتفن بايلي، وهو خبير تصميم ومؤلف كتاب «وومان آز ديزاين» (المرأة كتصميم) فإن أوقات الأزمات التي تكون فيها الأوضاع الاقتصادية متردية «تستيقظ الرغبة إلى المرأة الممتلئة، ويصبح جسد المرأة تجسيدا للصراع الدائم بين تقبل الواقع وبين الجري وراء المثالي».
والمثالي هنا قد يكون السعي إلى إنقاص الوزن بشكل كبير، الأمر الذي لا يمكن اعتباره مرض العصر أو بدعة جديدة، بدليل أنه كان واقعا في القرن السابع عشر، وبالتحديد عندما ابتكر الكورسيه لأول مرة.
فقد أعلنت حينها مدام دي بامبادور، التي كان تعتبر أيقونة موضة، خبر إنقاص وزنها بفخر، وفي القرن الثامن عشر، بدأ التقليل من الأكل أو الامتناع عنه، دليلا على الرقي والسلوك الجيد لدى الطبقات المخملية.
ومنذ ذلك الحين إلى اليوم، هناك إشارات واضحة إلى أن النساء كن يملن إلى النحافة في أوقات الازدهار الاقتصادي، وإلى الامتلاء في أوقات ركوده، وهذا بالضبط ما بدأنا نرى علاماته مؤخرا. فقد أعلنت النجمة إيفا لونغوريا أن وزنها زاد بخمس كيلوغرامات، وكذلك النجمة جيسيكا سمبسون.
والطريف أن خبر إنقاص جيسيكا وزنها أثار ضجة كبيرة في العالم أجمع، والأطرف أن الخبر مس حتى الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، الذي كان مقررا أن يتصدر غلاف مجلة «يو.إس ويكلي» لكن تم استبداله بجيسيكا سمبسون، في آخر لحظة، لأن خبر زيادة وزنها على ما يبدو أهم بكثير مما يمكن أن يقوله الرئيس أو يكتب عنه.
ويفسر الخبراء هذا الأمر بأننا في أوقات الأزمات المالية والاقتصادية، تختلف أولوياتنا، ونبدأ في التفكير، أحيانا بطريق لا شعورية، بأمور أخرى، نعتبرها أكثر أهمية في الحياة، عدا أن نوع الأكل يختلف، إما بهدف الحصول على الراحة والطمأنينة النفسية من خلال الشكولاته والأكلات الدسمة، أو لأسباب اقتصادية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن طبق «الساشيمي» يكلف أربع مرات ما يكلفه طبق يتكون من بطاطا في الفرن مع الجبنة.
همسة:
- عندما تكتسبين بعض الكيلوغرامات الزائدة وتشعرين بأن جسدك أصبح مدورا أكثر من السابق، لا تحاولي التمويه عن هذا بإخفائه تحت ملابس واسعة، اعتقادا منك أن امتلاءك لا يتطابق مع إملاءات الموضة والأناقة، بل احتفلي بالأمر مثل كايت وينسليب والنجمة كريستينا هندريكس، بطلة «ماد مين» (رجال مجانين) ذات المقاييس الأنثوية، بأزياء تظهر أنوثتك، لكن بشكل راق وأنيق.
- طبعا تعرفين أن الأسود أفضل صديق للمرأة المملتئة لأنه يعطي الانطباع بالنحافة.</H2>