يا صاحب الرؤيا تمهل
الحمدلله وحدة، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إن للرؤى في الإسلام منزلة ولذلك جاء ذكرها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم وجدناهم بين إفراط وتفريط،فمنهم من يغالي في الرؤيا ويقدسها ويبني عليها حاله ومستقبله، ومنهم من لا يلقي لها بالاً ويعتبرها أضغاث أحلام، ولما كان هدي المؤمن وسطاً بين هذا وذاك، أضع بين يديك أخي القارئ عشر إشارات أستوقفك عندها.
1- الفرق بين الرؤيا والحلم:
قال ابن منظور: الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح ويستعمل كل منهما موضع الآخر [لسان العرب:مادة حلم]، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصادقة من الله: والحلم من الشيطان» [متفق عليه].
2- الصدق في اليقظة من أهم شروط الرؤيا الصادقة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً» [متفق عليه]، فلذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الصادق في يقظته: وأما من كثر كذبه فالغالب ألا تصديق رؤياه.
قال ابن حجر: وقد يندر في المنام أحياناً فيرى في الصادق مالا يصح، ويرى الكاذب مايصح، ويرى الكاذب ما يصح، لكن الأغلب خلاف ذلك، والعلم عند الله [فتح الباري].
3- صدق رؤيا المؤمن دليل على قرب الزمان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤية اصدقهم حديثا» [متفق عليه]، والمراد والله أعلم باقتراب الزمان انتهاء مدته، أنها قرب أيام الساعة، قال ابن حجر: والمراد به اقتراب الساعة قطعاً [فتح الباري ورجحه ابن عثيمين].
4- الوعيد الشديد لمن كذب في حلمه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعتقد بين شعيرتين ولن يفعل... [رواه البخاري].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أفرى والفرى أن يرى عينه ماله تر» [رواه البخاري]، وفي هذا نكاية وتشديداً على من كذب في رؤياه مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه يراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، لأن الرؤيا جزء من النبوة وما كان من النبوة فهو من قبل الله سبحانه.
5- أنواع الرؤى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا ثلاثة: رؤيا بشرى من الله عز وجل، ورؤيا مما يحدث الإنسان نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان» [متفق عليه].
قال ابن عثيمين رحمه الله: ثم إن الروح في هذه الحال ترى منامات ومرائي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: رؤيا محبوبة، ورؤيا مكروهة، ورؤيا عبارة عن أشياء لها معنى وليس لها هدف، قد تكون من تلاعب الشيطان وقد تكون من حديث النفس، وقد تكون من أسباب أخرى [شرح رياض الصالحين].
عن جابر رضي الله عنه قال، جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج، فاشتدت على أثره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك» [رواه مسلم].
6- لا يعبر رؤياك أي شخص:
سئل الإمام مالك رحمه الله أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبا لنبوة يلعب ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة [التمهيد]، ولا تعتمد في تعبيرك على كتب تفاسير الأحلام فهذا خطأ لأن الرؤيا تختلف بحسب الرائي وبحسب المكان وبحسب الزمان وبحسب الأحوال.
7- لا تقص رؤياك على كل من تقابله:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرؤيا تقع على ما بعبر به .. فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً» [رواه الحاكم وصححه الألباني]، قال القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} هذه الآية أصل في ألا تقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحس التأويل [الجامع لأحكام القرآن].
8- لا تعتقد العصمة فيمن يعبر لك الرؤيا:
فقد يخطيء من عبّر لك الرؤيا بتعبيره وما رأيك بأكمل الرجال بعد الأنبياء والرسل وأصدقهم حتى سُمِّي صديقاً شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة إنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا يعبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً» .
9- آداب الرؤيا الصالحة:
• أن يحمد الله عليها.
• أن لا يحدث بها من لا يحب ويعلم منه المودة ليفرح لفرحه.
• أن لا يحدث بها من لا يحب لئلا يشوش عليه بتأويل يوافق هواه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنها هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها» [رواه البخاري].
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب» [رواه مسلم].
10- آداب الرؤيا المكروهة:
أخي في الله إذا أردت علاجاً للرؤيا التي تكرهها فتأدب بهذه الآداب عندما تستيقظ:
• الإستعاذة بالله من شرها.
• الإستعاذة بالله من الشيطان ثلاث مرات.
• اتفل حين تهب من نومك ثلاثاً عن يسارك.
• ألا تذكرها لأحد خشية أن يتعجل في تعبيرها بالمكروه.
• التحول عن جنبه الذي كان عليه إلى جنب آخر تفاؤلاً بتحول الحال.
• وإن صليت عندما تستيقظ من نومك فقد استكملت تلك الآداب.
عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لا تضره» [متفق عليه].
وفي حديث جابر عند مسلم «وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم «فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم، فليصل، ولا يحدث بها الناس».
إعداد:
عبدالله بن حمود الفريج