هل هناك صداقة حقيقية؟
سؤال لطالما راود كثيرا من شبابنا اليوم ... الصداقة في حد ذاتها علاقة قوية جدا .. ونزيهة جدا.. ومهمة جدا... وحروفها من نفس مادة الصدق .. وأول مثل لدينا في الإسلام هو أبوبكر الصديق رضى الله عنه...
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ }الحجرات.
فالإنسان محتاج في حياته إلى من يحتويه ويحتضنه في بيته ، ثم في خارج بيته هو في حاجة إلى من يصدقه ويصادقه، يأمنه على سره، ويشاوره في أمره ويشدد به أزره...
وهذا أول مثل حي قام به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. فكانت السيدة خديجه هي حضنه وحصنه ودفئه وحنانه، رضي الله عنها وأرضاها، أما خارج البيت فكان الصديق رضي الله عنه... مثال الرجولة والشهامة والإخلاص والمحبة والود والكرم....
في مستهل حياتي ، عندما كنت في العشرينات من عمري.. وربما أقل كثيرا.. كان همي الأول في الحياة أن أجد صديقا مخلصا... وظل هذا الشعور في نفسي لسنوات طويلة ... وكان هو الدافع وراء كل محاولة للحصول على صديق مخلص...
كما كان أيضا هو الدافع وراء قراءاتي لكل الروايات والقصص المكتوبة والمسموعة والمرئية... وقد وجدت كثيرا جدا من الأصدقاء... وكنت كلما مر بي الزمن يتساقط واحدا أو أكثر من محيط صداقتي ... حتى باعدت بيننا ظروف الحياة والعمل والزواج والتجنيد وما إلى آخر ذلك ...
ثم كلما تعمقت في الحياة وتدبرت أحوال المخلوقات من جماد ونبات وحيوان وبشر، فالصداقة هي ذلك الإنسجام بين اثنين أو أكثر من الناس، الإنسجام في وجهات النظر، الإنسجام في الصفات والوجهات.. أن تتوحد فينا أشياء معينة...
أخواني في الله.. لا تتعجبوا إن قلت لكم أن الله تبارك وتعالى قد رضي لنا الإسلام دينا لأنه سبحانه يريد أن نكون أصدقاء بجد.. لأن الصداقة توحد بين وجهات النظر والأمزجة والأهداف... وتؤلف بين القلوب بسهولة فائقة، وتجمع جمعا ثانيا بين الإخوة .. فأخوك عندما يكون صديقك هو أفضل ما تحصل عليه من الدنيا.. وصديقك عندما يكون أخاك هو كنز لا يجب أن تفرطر فيه ...
لذلك قال المولى عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) الحجرات }هكدذا جمع الله بين المؤمنين بالإخوة.. فرب أخ لك لم تلده أمك.وفي هذه السورة نجد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يقول المولى تبارك وتعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}.. فإذا جاء ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا تلقائيا نتذكر ابو بكر الصديق رضي الله عنه...
لقد حظى ابو بكر الصديق بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصداقته وأخوته وإخلاصه وخلته.. والمرء مع من أحب... وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : المرئ على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل} ...
وهناك تصفية اخرى للإصدقاء.. لقد وضع الله تبارك وتعالى فيلتر.. شبكة تنقية... لا ينفذ منها إلا أحسن الناس وأتقاهم .. فقال تبارك وتعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}الحجرات.. هنا يحثنا الله سبحانه وتعالى على التعارف.. ولكنه يقول لنا أن أكرمنا عند الله هو أتقانا.. هو أكثرنا تقوى .. وكأنه سبحانه يقول لنا لا تصادق ولا تصاحب ولا تخالل إلا تقي .. لكي تصل معه إلى درجة أن تكون كريما عند الله مكرما بين خلقه...
وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ { الأعراف}
أحبائي في الله .. لقد وجدت كل ذلك في واقع الحياة التى نعيشها... في مختلف أنحائها وأقرانها ... لم أجد أصدق ولا أخلص من المؤمن التقي... الذي عرف التقوى.. فالتقوى لباس جميل فضفاض.. ذو رائحة عطرة جميلة وهادئة، وصاحبها تراه منيرا مستنيرا تأمن جانبه، ولا ينصحك إلا بما هو طيب من القول والعمل.. وإذا كنت في حاجة سارع إليك دون أن تطلبه، وهذه هي من أهم صفات الصديق المخلص.